يقف الاقتصاد الأردني في الوقت الراهن بين مفترق طرق، إذ بينما أطلقت الحكومة خطة اقتصادية شاملة خلال الفترة الأخيرة، ترغب من خلالها في إكساب اقتصادها بعض آليات النمو الذاتي، وإصلاح أوضاعه المالية والاقتصادية الكلية، وكذلك تحسين مستويات معيشة السكان، تظل هناك ضغوط يعانيها هذا الاقتصاد، من بينها ارتفاع العجز المالي والدين الحكومي، وزيادة معدلات البطالة، وكذلك معاناة الاقتصاد من عجز في ميزانه التجاري. ويمكن القول إن المرحلة الأولى في تنفيذ الخطة الحكومية ستكون هى الأكثر حساسية في مسيرة الاقتصاد خلال الأعوام المقبلة، وخاصة أن نجاح هذه المرحلة سيقود الاقتصاد إلى تحقيق المزيد من المكاسب في المستقبل.
أهداف عديدة:
أعلنت الحكومة الأردنية، في 27 أكتوبر 2019، عن خطة اقتصادية وصفتها بـ"العابرة للحكومات"، بهدف تحفيز نمو الاقتصاد الكلي. وتتكون الخطة من أربعة محاور، وهى تحفيز بيئة الاستثمار، والإصلاح الإداري والمالية العامة، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين ومعالجة الفقر والبطالة، وتحسين جودة الخدمات وإقرار التأمين الصحي الشامل.
وعلى المستوى التفصيلي، شملت الخطة حزمة من القرارات التي تستهدف تطوير البيئة الاستثمارية، وتقنين الحجز التحفظي على أموال الاستثمارات والمستثمرين، وربط قيم الحجز التحفظي الصادر عن دوائر الجمارك وضريبة الدخل، ومنع الحجز على الشركاء والمفوضين في شركات المسئولية المحدودة أو الخاصة أو المساهمة العامة المحدودة بسبب الديون، ودعم استقرار الاستثمارات الجديدة، وتكوين لجان خاصة لحل القضايا العالقة والنزاعات في الاستثمار. ويبدو أن الحكومة تستهدف من خلال هذه الإجراءات في مجملها تطوير مناخ الأعمال، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار، وزيادة قدرته على الحصول على التمويل البنكي بشروط ميسرة.
وتركز الحكومة من خلال قيامها بهذه الإجراءات على دعم القطاع الصناعي الوطني، وتشجيعه كذلك على التصدير، كوسيلة لإصلاح بعض العيوب الهيكلية التي يعانيها الميزان التجاري للبلاد، الذي يبلغ عجزه نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي. ومن شأن هذه الحوافز أيضاً أن تعمل كآلية لتعزيز مصادر الإيرادات من العملات الأجنبية، التي تمثل إحدى الضرورات الملحة للاقتصاد. ويبدو ذلك بوضوح من خلال الحرص على أن تتضمن الخطة بنوداً تتعلق برد ما يتراوح بين 3 و5% من الضرائب لأصحاب القطاعات الصناعية المُصدِّرة، وتعد هذه الآلية إحدى صور الدعم المباشر لهذه القطاعات، التي تشكل نحو 95% من الاقتصاد المحلي، وفق وزارة الصناعة.
فضلاً عن ذلك، تسعى الحكومة عبر الخطة إلى تخفيف أعباء المعيشة على السكان، ويبدو ذلك جلياً من خلال الإجراءات التي تشمل توفير وحدات سكنية بأسعار تفضيلية للعائلات الناشئة من ذوات الدخل المحدود، لمن تتراوح دخولهم الشهرية حول 700 دينار (نحو ألف دولار أمريكي)، كما تشمل تخفيض رسوم التسجيل للعقارات ونقل الملكية للشقق والأراضي، واستحداث نافذة تمويلية عن طريق البنك المركزي لقروض الإسكان بفائدة مخفضة، هذا بجانب إعادة هيكلة رواتب القطاع العام وزيادتها وربطها بالجودة.
كما ربطت الخطة في بعض بنودها بين تحفيز الاستثمارات من ناحية وتعزيز مستوى معيشة السكان من ناحية أخرى، حيث تضمنت بعض الحوافز المقدمة لقطاع الأعمال لتحفيزه على تشغيل المواطنين. ويمثل هذه الإجراء إحدى الأدوات التي تسعى الحكومة من خلالها إلى تخفيف حدة البطالة التي وصلت إلى 18.3% في عام 2018، وشهدت زيادة ملحوظة خلال الأعوام الأربعة الماضية، لاسيما وأنها كانت قد بلغت 11.9% في عام 2014، وفق بيانات صندوق النقد الدولي.
تحديات مختلفة:
حقق الاقتصاد الأردني نمواً بنحو 1.9% خلال عام 2018، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، وهو ما يكشف عن تراجع نسبي عن مستويات النمو على مدار العقد الماضي، التي ظلت أعلى من 2% وتجاوزت 3% في بعض الأعوام. وفيما يتعلق بالمستقبل، تشير توقعات الصندوق إلى أن هذا النمو قد يرتفع خلال الأعوام الخمسة المقبلة، ليصل إلى 3% بحلول عام 2024. وتتوافق هذه التوقعات مع ما ترجحه وكالة "موديز" لخدمات المستثمرين، التي ترى تحسناً محتملاً في معدل النمو الاقتصادي خلال الأعوام المقبلة، وإن ذكرت أن هذا التحسن سيكون محدوداً، ليكون في حدود 2.4% خلال الفترة من 2019 وحتى 2022.
لكن الوكالة تشير إلى بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد في الوقت الراهن، وعلى رأسها عجز الموازنة، وذلك على الرغم من أنها ترى تحسناً في الأوضاع الائتمانية في الأردن، حيث منحتها تصنيفاً ائتمانياً B1 مع نظرة مستقرة. لكن أهمية هذا التصنيف تواجهها في المقابل بعض الصعوبات المتعلقة بضعف النمو وارتفاع البطالة والعجز الكبير في الحساب الجاري والدين الحكومي الذي وصل إلى 94% من الناتج عام 2018. ولا يمكن في هذا الصدد إغفال ما أوردته الوكالة بشأن إمكانية أن يؤدي انخفاض احتياطي العملات الأجنبية إلى تراجع التصنيف الائتماني، لاسيما إذا تزامن ذلك مع انخفاض إقبال المستثمرين الأجانب على الأسواق الأردنية.
ولا تختلف الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد في الوقت الراهن، في بعض جوانبها، عن تلك التي تعانيها اقتصادات منطقة الشرق الأوسط ككل، حيث تساهم النزاعات الإقليمية وعدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة في تباطؤ معدلات النمو، كما أنها تزيد من تخوفات وهواجس المستثمرين الأجانب وربما تدفع بعضهم إلى تفضيل عدم القدوم إلى أسواق المنطقة، والبحث عن أسواق بديلة من أجل تجنب المخاطر.
وفي الختام، تجدر الإشارة إلى أهمية الخطة الحكومية التي أطلقتها الأردن من أجل تحفيز نموها الاقتصادي، حيث تعد المراحل الأولى من تنفيذها هى الأهم والأكثر حساسية بالنسبة للمملكة، إذ أن النجاح في تحقيق إنجازات نوعية خلال هذه المرحلة، لاسيما في إصلاح المناخ الاستثماري، وجذب المزيد من المستثمرين الأجانب إلى الدولة، تزامناً مع إحداث تحسن معتبر في القدرات الشرائية والمستويات المعيشية للسكان، ولاسيما الفئات الفقيرة منهم، كل ذلك سيكون دافعاً ومُحفَِّزاً لتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية في البلاد، وتحسين الأوضاع المالية الكلية وفي الميزان التجاري للدولة، الأمر الذي سينقل الاقتصاد إلى منطقة أكثر أمناً واستقراراً.